مقـــدمة

إن كل تنظيم اجتماعي إنما يهدف أول ما يهدف إلى خير الإنسان وسعادته وتأمين حمايته، ولهذه الحماية مظاهر شتى وأنماط متنوعة، وإذا كانت حماية حياة الإنسان وسلامته الجسدية هي في طليعة القيم التي ينبغي صيانتها، فإن للأفراد طائفة أخرى من الحقوق الملتصقة به والتي تعتبر مجالاً من مجالات كفاحه ونضاله المستمر من أجل الحياة وفي سبيل البقاء.

على أن قواعد تأمين حماية الفرد اجتماعياً لم تظهر إلا بعد أن تطور الفكر البشري وارتقت بتطوره المفاهيم الحقوقية، وضربت المجتمعات بسهم وافر من التنظيم الاجتماعي، فكان أن اتسعت مسؤولية الدولة وباتت حماية الأفراد من جميع جوانبها تقـع على كاهلها، ومن هنا برزت أهمية التنظيمات التي تسعى إلى تمكين كل فرد أن يحيا حياة جديرة بآدميته طالما أنه غير قادر على تأمين ذلك بمفرده، ونقطة انطلاقنا في هذا المجال تتركز في أن الغالبية المتزايدة من أبناء المجتمع لا يدبرون معاشهم إلا بما يكسبونه من أجور لقاء قيامهم بأعمالهم فاقترنت حياتهم بمدى استمرار هذه الأجور وبمدى قدرتهم على الاستمرار بالعمل، حتى إذا ما افتقد أحدهم هذه القـدرة لأي سبب طارئ (إصابة عمل ـ مرض ناشئ عن المهنة أو غيرها ـ عجز ـ شيخوخة ـ بطالة ـ وفاة) انقطع عليه وعلى أسرته مورد عيشه ووقع وإياهم في قبضة الحرمان والفاقة والعوز.

ولهذا السبب يعتبر قانون التأمينات الاجتماعية ركناً هاماً في النظام الاجتماعي الذي يحياه الفرد، بحله مشكلة رئيسية في حياته، التي تتجلى بمساعدته على الاحتفاظ بمستوى لائق من المعيشة له ولأفراد أسرته في حال فقده القدرة المؤقتة أو المستديمة على الكسب أو في حال بلوغه السن التي تخبو فيه قدرته عليه أو تكاد، ليخلد إلى حياة الراحة والدعة التي نظمها له المجتمع بموجب حق قانوني ثابت اعترافاً منه بما قدم هذا العامل له في سنوات عمره الطويلة من عرق وجهد وساهم في بنائه وتقدمه وذلك تطبيقاً لمبدأ التضامن الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد.

وقد كان للطبقة العاملة في قطرنا القدح المعلى في هذا المجال بإيصال أفرادها إلى الحد الأدنى من التأمين، فصدر القانون رقم (92) لعام 1959، ثم صدرت عدة تعديلات عليه انحصرت سماتها الأساسية في تحسينات هامة في مجال الخدمة التي يقدمها هذا القانون لهذه الفئة من أبناء شعبنا.

وفي خطى تطبيق الاشتراكية في قطرنا العربي السوري بقيادة الرئيـس المناضل حافظ الأسد صدر المرسوم التشريعي 35 لعام 1976 قاصداً توفير أقصى حماية للأشخاص المؤمن عليهم المشمولين بأحكام هذا القانون ومحققاً رفع قيمة معاش الشيخوخة ورفع المستوى المعاشي للمؤمن عليه بشكل عام، ومضيفاً تأميناً جديـداً يساعد العامل على الحياة حين عجزه ويساعد عائلة المؤمن عليه بعد وفاته، بحيث يجوز لنا تسمية هذا القانون بلائحة الحقوق والقيم التي يوفرها المجتمع الاشتراكي الذي يعيشه قطرنا للعامل المؤمن عليه. وهو بقدر ما يعنى بحماية العامل والاعتراف بكرامة العمل الإنساني فإنه يعتبر واحداً من أفضل النظم التي تتناول تأمين العامل ضد طوارئ العمل والعجز والمرض والبطالة، وتكفل معيشة أسرته بعد وفاته، والحق أنه يخرج ظافراً إذا ما قورن بأي نظام مماثل للمجال الذي يتناوله في الدول الأخرى.

وحرصاً منا على أن يتاح لكل من يشمله قانون التأمينات الاجتماعية من عامل وصاحب عمل بشكل خاص "وكل مهتم بشكل عام، الاطلاع عليه والرجوع إليه، فقد عمدنا إلى اصدار هذه الطبعة منه، مراعين فيها شيئاً من التنظيم والجمع لكافة التعديلات الطارئة عليه منذ صدوره لغاية 31/3/2002 وكذلك القرارات الوزارية المنفذة له الصادرة منذ بدء تطبيقه وحتى غاية 31/3/2002 أيضاً مستثنين الملغاة منها والمنهى العمل بها، ومستبعدين ما كان منها متصلاً بالصحة والسلامة المهنية لتناولها جانباً هاماً من جوانب الرعاية التي يكفلهـا قانون التأمينات الاجتماعية للعامل مزمعين على أفرادها واخراجها بمجموعة مستقلة.

نرجو أن نكون قد حققنا بعض ما نصبو إليه في طريق الاطلاع والمعرفة في هذا المجال بما يجعل في وسع كل فرد مراعاة قواعده وتوفيق سلوكه مع أحكامه حتى لا تتهاتر الحقوق ولا تضيع الجهود.

                                                                                                       المدير العام

                                                             لمؤسسة التأمينات الاجتماعية